ما علاقة الحلقة بالإرادة البشریة الحرة والفکر؟
یرى أهل الفقه والعقیدة أنَّ کلَّ ما فی الکون محکومٌ بقضاء الله تعالى وقدره ومسبوقٌ بعلم الله وغیبه، ویشمل ذلک أفعال العباد،
وحرکاتهم، وتفکیرهم، واختیاراتهم، وما یقعون فیه من الخیر والشر، وجعل أمر الإنسانِ فی حیاته بین التسییر الإلهی فیما خُلق له
حیث الحدود البشریَّة لا تتعدَّى قدرة الله تعالى وإرادته ومشیئته، وبین التخییر الآدمی المُعزَّز بالعقل، والتکلیف، والقدرة على القیاس
والموازنة، ومعرفة الخیر والشرِّ والاختیار بینهما، وبذلک فإنَّ ما یفعله الفرد من الأمور والسلوکات المختارة بین احتمالات وبدائل یکون
ضمن اختیاره، وقراره، وتمحیصه، وتفریقه بین ما یمکن أن یحقِّق مصلحته ونفعه وما یضرُّ بمصلحته
وأمره، فإذا احتاج طعامه أکل وإذا رغب الزَّواج تزوَّج وکلٌّ باختیاره المرصودِ لحسابِه المناط بالتکلیف دونَ تسییرٍ أو إجبار، فالإنسانُ
مُخیَّر بإرادته، وکسبه، ومعاملاته، ویملک القرار فی ذلک دونما حبسٍ على التسییر.
ویمکن إسقاط هذا القیاس على الحب الذی هو فی الأصل احتیاجٌ إنسانیٌ أراده الأنبیاء أن یظهر فی أتباعهم کسمةٍ بارزةٍ لیتحقَّق
الأمن والسعادة فحضوهم علیه وأرشدوهم إلیه، وهو ما اعتمده الأولون أیضاً کأساسٍ لتقییم سلوک البشر وأفعالهم؛ إذ جعلوا کل
إنجازٍ لا ینبع من الحبِّ عدیم القیمة والتقدیر؛ إذ یجب أن یکون الحب هو الدافع الأساسی لأی عملٍ أو سلوکٍ یقوم به الفرد.
نظرة المجتمعات للحب
إنَّ نظرة المجتمعات الحدیثة للحب تنحصر فی فئتین، ترى الأولى أنَّ الحب ولید الفرصة والمصادفة، أی أنَّه متعلَّق بالقدر الذی یجلب
الشخص المناسب فی الوقت المناسب والمکان المناسب لتتلاقى الأنفس
وتتآلف وتنشأ عاطفةٌ سریعة تولِّد السعادة والسرور فی قلوب المتحابین دون جهد منهما منهما أو تعب أو مبادرة، غیر أنَّ الفئة
الأخرى ترى أنَّ الحبَّ مهارة متعلَّمة تُکتسب بالتعلُّم والتدرُّب کمختلف العلوم والفنون؛
إذ یعتمد الحب کعلمٍ ومهارةٍ على بناء القدرات النفسیَّة والعقلیَّة للنَّاس لیکونوا قادرین ومؤهلین لصناعة الحب وممارسة ذلک الفنِّ
بصورةٍ واقعیَّة، فیکون الحبُّ على ذلک التقدیر قرارذاتی واختیار بشری یتعلَّق بسعی الإنسان وإرادته دون سیطرة القدر وتسییره.
ربما یکون أعظم مٌدللٍ على أن الوقوع فی الحب أمر اختیاری نابع من قرار الفرد ومسؤولیته هو مآل حال الحب بعد زمنٍ معیَّن کانتهاء
زواج المحبَّین بالطلاق مثلاً أو انعدام الحب بینهما بعد فترة من الزواج والتلاقی،
والتواد والتآلف، ذلک یُظهر بوضوح أن قرارهما بصناعة الحب انتهى، أو أنهما اتخذا قراراً جدیداً بإنهاء حالة الحب تلک، فلم یکن الحب
قدراً لحظیاً لهما أو تسییراً زمنیاً متغیِّراً، بل إنَّ قرار الحب الأولی لم یتحصَّل على
الدیمومة والأبدیَّة لاقترانه بالاختیار والقرار الخاضعین لسهولة التغیُّر والتبدُّل، یُستشهد على ذلک أیضاً بتغیُّر ظروف المحبَّین بعد
الانتقال إلى الحیاة الواقعیَّة التی تنسلخ منها المثالیات وتغزوها المظاهر الاعتیادیَّة
لیطَّلع کلا الحبیبین على حیاة بعضهما النَّمطیَّة دون تزیینٍ وترتیبٍ عالِ المستوى والأداء، فیُظهر کلُّ فردٍ منهما مساوئه وأخطاءه
بطبیعتها دونما حرصٍ على المثالیَّة والإفراط فی تحسین الصورة الخارجیَّة التی لا
تظهر عادةً داخل المنزل، فتتکشَّف الصفات المخفیة التی لم یکن یراها کل حبیبٍ فی حبیبه، فیحلُّ عند بعض المحبِّین قرارٌ جدیدٌ
یُنهی حالة الحبِّ المزعومة التی اتخذها سابقاً بقرارِ حبٍّ أبدی.
ماهیَّة الحب ومعناه
یقع الحب عند الکائن الإنسانی موقعاً مهماً، إذ هو حاجةٌ إنسانیَّة قیِّمةٌ، وشعورٌ ممیزٌ، وسلوک متحصَّلٌ بالتأثیر والانجذاب، وهو من
دوافع الإنسانِ وضروراته التی ینجرُّ إلیها وینجذب إلى سیطرتها وتوابعها، وهو القوَّة التی تحیط بالإنسانِ بصورٍ عدیدةٍ ومظاهر شتَّى
حتَّى یصبح إنکارها ضرباً من الخیال، أو نکراناً للآدمیَّة ومعانی الحیاة. والحبُّ علاقةٌ فطریَّة جمیلة، تنشأ بین الذَّکر والأنثى، وتحمل
فی طبیعتها انسجام
المشاعر وتوافق الأهداف، وتکون مبنیَّةً على التَّفاهم، والتلاقی الروحی، والانسجام، والحنان، وتهدف هذه العلاقة إلى خلق الراحة،
والسَّعادة، والسرور لکلا الحبیبین، ولتحقیق هذا الهدف یبذل الحبیبان ما
بوسعهما من تضحیاتٍ وإمکاناتٍ للوصول إلى الغایة المنشودة، وتستمرُّ هذه العلاقة بقوَّةٍ ومتانةٍ ما دامت السعادة، والسرور، والأثر
النادر مُتحصَّلاً عن طریقها ومُعدماً فی غیرها.
تعریف الحب
فی اللغة والاصطلاح یُعرف الحب فی معاجم اللغة بأنَّه المیل، والجذب، والألفة، والوداد، ویصفه الفلاسفة بأنَّه انجذابٌ أو میلٌ نحو
الأشخاص أو نحو الأشیاء التی تستثیر المشاعر فی نفعها وجاذبیَّتها.
أمَّا المفهوم الاصطلاحی للحب فإنَّه ینسجم عند الباحثین والکتَّاب مع ما تمیل إلیه مدارسهم، فقد عرَّفه القرطبی بأنَّه میل النَّفس
لتکمیلِ ذاتها بما ینقصها وتستقرُّ بوجوده، وتبعه الإمام الغزالی لیؤکِّد على کون الحب میلٌ إلى ما فیه لذَّةٌ وانجذاب، وکلا التعریفان
یُعبِّران عن حاجة النَّفس ورغبتها للتملُّک.
مفهوم الحب عند الفلاسفة
تناول الفلاسفة مفهوم الحب ککلٍ مجرَّد، وقسَّموه إلى أنواعٍ عدیدةٍ، وغایاتٍ متباینة، فقد عرَّفه سقراط بأنَّه خیالٌ وتصوُّر لا یمکن
تحقیقه فی دنیا المادیَّات، وقرنه بالألم والحزن ونزع عنه مفهوم السعادة أو تحقیق السرور؛ لکونِ المصطلح روحٌ جنیَّة لا تتحقَّق إلا
بالتصوُّر والخیال.
ومن الفلاسفة الذین عرفوا مفهوم الحب الفیلسوف الیونانی یوزانیاس الذی قسّم الحب إلى نوعین هما: الأرضی والسماوی،
وانتهى إلى أن الحب وسط بین المحب والمحبوب. أمَّا أفلاطون فقد وصف الحبَّ بأنَّه عملٌ هادف یسعى للخیر، وأنَّه أسمى الأعمال
التی تقوم بها الإنسانیَّة، وأنَّ الحبَّ یتحقَّق بالإدراک، والتعمُّق فی الحقائق.
مفهوم الحب فی علم النَّفس
وضع علماء النَّفس الحب فی سببیَّة حاجاتِ الإنسانِ ودوافعه، وجعلوه مبرراً بمقدار الحاجة أو الغایة التی یمارس فیها الإنسان
الحب، فقد أشار فروید فی تعریفه للحبِّ بأنَّها مجرَّد غایةٍ تظهر بدافعٍ فردی واحتیاجٍ
نفسیِّ ینزع للإشباع من خلال الممارسة الجنسیَّة، فلا وجود فعلیَّ للحبِّ وإنَّما هو الحاجة للعلاقة الجنسیَّة التی تظهر کغریزةٍ
مختبئةٍ بصورةِ انفعالٍ إیجابی مستقل تُدعى الحب. أمَّا اریک فروم فقد وافق فروید
فی کون الحب احتیاجٌ ودافع وتجاوزه فی تعلُّقه بالغریزة الجنسیَّة دون وجودٍ للعاطفة، فقد أکَّد فروم أنَّ الحبَّ یتمثَّل فی حاجة
الإنسان إلى الانتماء والاندماج، والذی یُفسِّر حاجته للجنس، حیث التکامل، والتکاثر، وتحقیق العواطف، والتماسک على مستوى
الفرد، والأسرة، والمجتمع
- ۲۲/۰۷/۳۰